برونو غانز : من الملاك الحارس إلى هتلر, يرتسم على وجهه تاريخ الإنسان

برونو غانز : من الملاك الحارس إلى هتلر, يرتسم على وجهه تاريخ الإنسان

Partager

بين 1960 و 2019، تجاوزت مسيرة السويسري برونو غانز المائة فيلم، قرابة الستين سنة من السينما، تحوّل فيها هذا الممثّل إلى كتلة من الصدق. على وجه غانز وفي ملامحه نوع من الحكمة القديمة. عشرات الأفلام من بين التي قدمها غانز تبقى في ذاكرة محبي السينما ولا تمحى أبدا، والكثير منها هي بمثابة دروس في التمثيل والأداء، جسّد فيها ملاك السينما مجموعة من أكثر الأدوار صعوبة واختلافا من شأنها أن تختصر فترات هامة من تاريخ الإنسان في أساطيره، شخصياته الكبرى وروحانياته أيضا.

 

 

 

أجنحة الرغبة لفيم فاندرس (1987):

 

في حوار لبرونو غانز مع إحدى المجلات الدانماركية عن دوره في فيلم أجنحة الرغبة، تحدّث عن مجموعة من ردود الأفعال التي شدت انتباهه من قبل الجمهور الذي شاهد الفيلم، حيث قالت له إحدى المسافرات في طائرة كان هو أيضا على متنها: حسنا يمكن أن نطمئن الآن، لم يعد هناك سبب للخوف، نحن نعلم بأنّه لن يحصل لنا أيّ شيء"، كما توجّهت سيّدة أخرى إلى ابنها بالحديث "انظر، إنّه ملاكك الحارس، لم يكن الأمر مزحة".

في واحد من أهمّ الأفلام في تاريخ السّينما، لعب غانز واحد من أكثر الأدوار تعقيدا. هو داميال، الملاك الذي يراقب الناس ويحرسهم، يقاسمهم شغفهم وحزنهم وتذمّرهم ويشعر مثلهم بما يثقل كاهلهم ويحميهم. في أحد الأيّام، قرّر التخلّي عن أجنحته ليتخلى بذلك عن أبديته ويعيش في الأرض كأيّ إنسان فانٍ يمكن أن يموت في أيّ لحظة. فعل ذلك من أجل الحب، وأن يتمتع بالقدرة على العيش مع من اختارها قلبه من بين كلّ الذين شاهدهم عن كثب يمشون ويعيشون في شوارع برلين.

في هذا الفيلم، تنقّل برونو غانز بين جميع المشاعر التي قاسمها مع الناس، عاشها وجعلنا نشعر بها، وانتقل في أدائه من الحكيم الذي يشفق على الناس وحياتهم إلى واحد منهم يتعرّض للتحيّل في بدايات تجربته ك"إنسان مبتدأ".

 

فاوست لبيتر شتاين (2001):

 

فاوست، بطل الأسطورة الألمانية الغارقة في التعقيد، هو من بين أكثر الشخصيات ميتافيزيقيّة في تاريخ الإنسان، حوّلها غوته إلى مسرحيّة بجزأين، لتصبح هذه الأخيرة نصّا تقوم عليه أغلب الاقتباسات التي أتت فيما بعد بين مسرح وسينما.

يقول المخرج الألماني بيتر شتاين في أحد الحوارات التي قام بها حول فيلم فاوست، لقد كسبت نصف الرهان بمجرّد قبول برونو غانز لتمثيل دور فاوست، لقد قبل الدور، رغم عدم قدرته على فهم أيّ شيء من نص غوته. في بقيّة إجابته، لم يكن المخرج واثقا من قدرته على إخراج الفيلم بشكل جيّد، لكنّه كان متيقّنا من قدرة أداء غانز على لفت الأنظار: "هو الآن على أتمّ الاستعداد، يتقاتل كالأسد مع النص. لا يمكن أن أحكم بشكل مسبق على الإخراج، لكن يمكنني أن أؤكّد بأنّ رؤية برونو غانز في جلد فاوست يستحقّ التوقّف والمشاهدة".

 

السقوط لأوليفر هيرشبيغل (2004):

 

كيف يواجه دكتاتور يعاني من جنون العظمة خبر سقوطه؟ للإجابة على هذا السؤال، وجب استحضار كلّ ما عاشه العالم من خيبات أمل، من خيانات عظمى ونهايات صادمة وتراجيدية. أو ربّما يجب الاستغناء عن كلّ هذا، ومشاهدة أداء غانز في فيلم السقوط. ليس غريبا أن يتذكّر كلّ العالم غانز عند موته بهذا الدّور، هتلر عند محاصرته في برلين من قبل الجيش الأحمر. حمل غانز الفيلم على كتفيه، وحملنا معه إلى مشاعر الحنق والحسرة والمكابرة في آن. لم يكن غانز قادرا أن يكون فقط هتلر بقوّته وجبروته، إنّما كان قادرا على أكبر من ذلك، وهو أن يكون هتلر في أيّامه الأخيرة، ليجسّد دورا في غاية التركيب، فيعبّر عن شجع ممزوج بالوهن وقوّة تنخرها الهشاشة والضعف.

 

The House That Jack Built للارس فان تراير (2018):

 

على مدى جزء كبير من الفيلم، نحن لا نتعامل من غانز سوى مع حشرجة صوته الإستثنائيّة، مع عمق ما يقوله والطريقة الأسطورية التي قدّم بها نصّه. نلتقيه فيما بعد ونذهب مع جاك في رحلته الأخيرة. اذا كان للحياد معنى، فمن الأكيد سيكون أداء غانز في العمل الأخير للارس فان تراير. كأنّنا بهذا الملاك، قد أتى للتمثيل في هذا الفيلم بكلّ ثقل مسيرته الممتدّة إلى قرابة الستين عاما.

إسمه فارج، هو ضمير البطل ونقيضه. لا يقلّ ميتافيزيقية عن دور فاوست، هو أيضا دور غارق في ماديّته من خلال نوعية النقاشات التي خاضها مع شخصيته.

 

فارج ليس الدور الأخير الذي قدمه برونو غانز، فقد مثل أيضا في فيلم جديد للمخرج الأمريكي تيرانس ماليك، ننتظر خروجه في 2019.